فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي تعقيب جملة {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} بجملة التذييل إشارة إلى أن المؤمنين من جنود الله وأن إنزال السكينة في قلوبهم تشديد لعزائمهم فتخصيصهم بالذكر قبل هذا العموم وبعده تنويه بشأنهم، ويومىء إلى ذلك قوله بعد {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} الآية.
فمن جنود السماوات: الملائكة الذين أنزلوا يوم بدر، والريح التي أرسلت على العدوّ يوم الأحزاب، والمطر الذي أنزل يوم بَدر فثبت الله به أقدام المسلمين.
ومن جنود الأرض جيوش المؤمنين وعديد القبائل الذين جاءوا مؤمنين مقاتلين مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة مثل بني سُليم، ووفود القبائل الذين جاءوا مؤمنين طائعين دون قتال في سنة الوفود.
والجنود: جمع جند، والجند اسم لجماعة المقاتلين لا واحد له من لفظه وجمعه باعتبار تعدد الجماعات لأن الجيش يتألف من جنود: مقدمةِ وميمنةٍ وميسرةٍ وقلب وساقةٍ.
وتقديم المسند على المسند إليه في {ولله جنود السماوات والأرض} لإفادة الحصر، وهو حصر ادعائي إذ لا اعتداد بما يجمعه الملوك والفاتحون من الجنود لغلبة العدوّ بالنسبة لما لله من الغلبة لأعدائه والنصر لأوليائه.
وجملة {وكان الله عليمًا حكيمًا} تذييل لما قبله من الفتح والنصر وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين.
والمعنى: أنه عليم بأسباب الفتح والنصر وعليم بما تطمئن به قلوب المؤمين بعد البلبلة وأنه حكيم يضع مقتضيات علمه في مواضعها المناسبة وأوقاتها الملائمة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} الآية، لا يخفى ما سبق إلى الذهن من تنافي هذه العلة ومعلولها لأن فتح الله لنبيه لا يظهر كونه علة لغفرانه له.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأول: وهو اختيار ابن جرير لدلالة الكتاب والسنة عليه أن المعنى أن فتح الله لنبيه يدل بدلالة الالتزام على شكر النبي لنعمة الفتح فيغفر الله له ما تقدم وما تأخر بسبب شكره بأنواع العبادة على تلك النعمة فكأن شكر النبي لازم لنعمة الفتح والغفران مرتب على ذلك اللازم.
أما دلالة الكتاب على هذا ففي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فصرح في هذه السورة الكريمة بأن تسبيحه بحمد ربه واستغفاره لربه شكرا على نعمة الفتح سبب لغفران ذنوبه لأنه رتب تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنصر ترتيب المعلول على علته ثم بين أن ذلك الشكر سبب الغفران بقوله: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
وأما دلالة السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض أصحابه لا تجهد نفسك بالعمل فإن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر «أفلا أكون عبدا شكورا؟» فبين صلى الله عليه وسلم أن اجتهاده في العمل لشكر تلك النعمة وترتب الغفران على الاجتهاد في العمل لا خفاء به.
الوجه الثاني: إن قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا} يفهم منه بدلالة الالتزام الجهاد في سبيل الله لأنه السبب الأعظم في الفتح، والجهاد سبب لغفران الذنوب فيكون المعنى ليغفر لك الله بسبب جهادك المفهوم من ذكر الفتح، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال ابن القيم:

فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة السكينة:
هذه المنزلة من منازل المواهب لا من منازل المكاسب وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع:
الأولى: قوله تعالى: {وقال لهم نبيهم إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248].
الثاني قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26].
الثالث: قوله تعالى: {إِذْ يَقول لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأنْزل الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40].
الرابع: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4].
الخامس: قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
السادس: قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأنْزل الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26] الآية وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة.
وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبة وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيراعظيمافي سكونه وطمأنينته وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوففلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رءوسهم لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما وكيوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار لا يلوي أحد منهم على أحد وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها وهو عمر حتى ثبته الله بالصديق رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة.
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: رأيت النبي ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلدة بطنه وهو يرتجز بكلمة عبدالله بن رواحة رضي الله عنه:
لاهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأولى قد بغوا علينا ** وإن أرادوا فتنة أبينا

وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: إني باعث نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقولة والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى إمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه.
فصل:
قال صاحب المنازل:
السكينة: اسم لثلاثة أشياء أولها: سكينة بني إسرائيل التي أعطوها في التابوت قال أهل التفسير: هي ريح هفافة وذكروا صفتها قلت: اختلفوا: هل هي عين قائمة بنفسها أو معنى على قولين: أحدهما: أنها عين ثم اختلف أصحاب هذا القول في صفتها فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنها ريح هفافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان ويروى عن مجاهد: إنها صورة هرة لها جناحان وعينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد فإذا سمعوا صوتها أيقنوا بالنصر وعن ابن عباس: هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وعن وهب بن منبه: هي روح من روح الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء أخبرتهم ببيان ما يريدون والثانى: انها معنى ويكون معنى قوله: وسكينة من ربكم أي ومجيئه إليكم: سكينة لكم وطمأنينة وعلى الأول: يكون المعنى: إن السكينة في نفس التابوت ويؤيده عطف قوله: {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} [البقرة: 248] قال عطاء بن أبي رباح: فيه سكينة هي ما تعرفون من الآيات فتسكنون إليها وقال قتادة والكلبي: هي من السكون أي طمأنينة من ربكم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا.
فصل:
قال: وفيها ثلاثة أشياء: للأنبياء معجزة ولملوكهم كرامة وهي آية النصرة تخلع قلوب الأعداء بصوتها رعبا إذا التقى الصفان للقتال وكرامات الأولياء: هي من معجزات الأنبياء لأنهم إنما نالوها على أيديهم وبسبب أتباعهم فهي لهم كرامات وللأنبياء دلالات فكرامات الأولياء: لا تعارض معجزات الأنبياء حتى يطلب الفرقان بينهما لأنها من أدلتهم وشواهد صدقهم.
نعم: الفرقان بين ما للأنبياء وما للأولياء من وجوه كثيرة جدا ليس هذا موضع ذكرها وغير هذا الكتاب أليق بها.
فصل:
قال: السكينة الثانية: هي التي تنطق على لسان المحدثين ليست هي شيئا يملك إنما هي شيء من لطائف صنع الحق تلقى علي لسان المحدث الحكمة كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأنبياء وتنطق بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشبه السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش واللغو والهجر وكل باطل قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه وكثيرا ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن عن فكرة منه ولا روية ولا هبة ويستغربه هو من نفسه كما يستغرب السامع له وربما لا يعلم بعد انقضائه بما صدر منه وأكثر ما يكون: هذا عند الحاجة وصدق الرغبة من السائل والمجالس وصدق الرغبة منه: هو إلى الله والإسراع بقلبه إلى بين يديه وحضرته مع تجرده من الأهواء وتجريده النصيحة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين وإزالة نفسه من البين.
ومن جرب هذا عرف قدر منفعته وعظمها وساء ظنه بما يحسن به الغافلون ظنونهم من كثير من كلام الناس قوله: وليست شيئا يملك يعني هي موهبة من الله تعالى ليست بسببية ولا كسبية وليست كالسكينة التي كانت في التابوت تنقل معهم كيف شاءوا وقوله: تلقى على لسان المحدث الحكمة أي تجرى الصواب على لسانه وقوله كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأنبياء عليهم السلام يعني: أنها بواسطة الملائكة بحيث تلقي في قلوب أربابها الحكمة عنهم والطمأنينة والصواب كما أن الأنبياء تتلقى الوحي عن الله بواسطة الملائكة ولكن ما للأنبياء مختص بهم ولا يشاركهم فيه غيرهم وهو نوع آخر وقوله: تنطق المحدثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشبه قد تقدم في أول الكتاب: ذكر مرتبة المحدث وأن هذا التحديث من مراتب الهداية العشرة وأن المحدث هو الذي يحدث في سره بالشيء فيكون كما يحدث به والحقائقهي حقائق الإيمان والسلوك ونكتها عيونها ومواضع الإشارات منها ولا ريب أن تلك توجب للأسرار روحا تحيا به وتنعم وتكشف عنها شبهات لا يكشفها المتكلمون ولا الأصوليون فتسكن الأرواح والقلوب إليها ولهذا سميت سكينة ومن لم يفز من الله بذلك لم تنكشف عنه شبهاته فإنها لا يكشفها إلا سكينة الإيمان واليقين.
فصل:
قال: السكينة الثالثة: هي التي نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين وهي شيء يجمع قوة وروحا يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين والضجر ويسكن إليه العصي والجرئ والأبي هذا من عيون كلامه وغرره الذي تثني عليه الخناصر وتعقد عليه القلوب وتظفر به عن ذوق تام لا عن مجرد فذكر: أن هذا الشيء الذي أنزله الله في قلب رسوله وقلوب عباده المؤمنين يشتمل على ثلاثة معان: النور والقوة والروح وذكر له ثلاث ثمرات: سكون الخائف إليه وتسلي الحزين والضجر به واستكانة صاحب المعصية والجرأة على المخالفة والإباء إليه فبالروح الذي فيها: حياة القلب وبالنور الذي فيها: استنارته وضياؤه وإشراقه وبالقوة: ثباته وعزمه ونشاطه فالنور: يكشف له عن دلائل الإيمان وحقائق اليقين ويميز له بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشد والشك واليقين والحياة: توجب كمال يقظته وفطنته وحضوره وانتباهه من سنة الغفلة وتأهبه للقائه والقوة: توجب له الصدق وصحة المعرفة وقهر داعي الغي والعنت وضبط النفس عن جزعها وهلعها واسترسالها في النقائص والعيوب ولذلك ازداد بالسكينة إيمانا مع إيمانه والإيمان: يثمر له النور والحياة والقوة وهذه الثلاثة تثمره أيضا وتوجب زيادته فهو محفوف بها قبلها وبعدها فبالنور: يكشف دلائل الإيمان وبالحياة: ينتبه من سنة الغفلة ويصير يقظانا وبالقوة: يقهر الهوى والنفس والشيطان كما قيل:
وتلك مواهب الرحمن ليست ** تحصل باجتهاد أو بكسب

ولكن لا غني عن بذل جهد ** بإخلاص وجد لا بلعب

وفضل الله مبذول ولكن ** بحكمته وعن ذا النص ينبى

فما من حكمة الرحمن وضع ال ** كواكب بين أحجار وترب

فشكرا للذي أعطاك منه ** فلو قبل المحل لزاد ربي

فصل:
فإذا حصلت هذه الثلاثة بالسكينة وهي النور والحياة والروح سكن إليها العصي وهو الذي سكونه إلى المعصية والمخالفة لعدم سكينة الإيمان في قلبه صار سكونه إليها عوض سكونه إلى الشهوات والمخالفات فإنه قد وجد فيها مطلوبه وهو اللذة التي كان يطلبها من المعصية ولم يكن له ما يعيضه عنها فإذا نزلت عليه السكينة اعتاض بذلتها وروحها ونعيمها عن لذة المعصية فاستراحت بها نفسه وهاج إليها قلبه ووجد فيها من الروح والراحة واللذة ما لا نسبة بينه وبين اللذة الجسمانية النفسانية فصارت لذته روحانية قلبية بعد أن كانت جسمانية فانسلب منها وحبس عنها وخلصته فإذا تألقت بروقها قال:
تألق البرق نجديا فقلت له ** يا أيها البرق إني عنك مشغول

وإذا طرقته طيوفها الخيالية في ظلام ليل الشهوات نادى لسان حاله وتمثل بمثل قوله:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ** وقت الزيارة فارجعي بسلام

فإذا ودعته وعزمت على الرحيل ووعدته بالموافاة بقول الآخر:
قالت وقد عزمت على ترحالها ** ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي

فإذا باشرت هذه السكينة قلبه سكنت خوفه وهو قوله: يسكن إليها الخائف وسلت حزنه فإنها لا حزن معها فهي سلوة المحزون ومذهبة الهموم والغموم وكذلك تذهب عنه وخم ضجره وتبعت نشوة العزم وحالت بينه وبين الجرأة على مخالفة الأمر وبين إباء النفس والانقياد إليه والله أعلم.
فصل:
قال: وأما سكينة الوقار التي نزلها نعتا لأربابها: فإنها ضياء تلك السكينة الثالثة التي ذكرناها وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: سكينة الخشوع عند القيام للخدمة: رعاية وتعظيما وحضورا سكينة الوقار هي نوع من السكينة ولكن لما كانت موجبة للوقار سماها الشيخ رحمه الله سكينة الوقار وقوله: نزلها نعتا يعني نزلها الله تعالى في قلوب أهلها ونعتهم بها وقوله: فإنها ضياء تلك السكينة الثالثة التي ذكرناها أي نتيجتها وثمرتها وعنها نشأت كما أن الضياء عن الشمس حصل ولما كان النور والحياة والقوة التي ذكرناها مما يثمر الوقار: جعل سكينة الوقار كالضياء لتلك السكينة إذ هو علامة حصولها ودليل عليها كدلالة الضياء على حامله قوله: الدرجة الأولى: سكينة الخشوع عند القيام للخدمة يريد به الوقار والخشوع الذي يحصل لصاحب مقام الإحسان.